لبنان وغزة وسوريا- تصعيد الحرب ينذر بتوسع إقليمي خطير.

المؤلف: جيرار ديب10.10.2025
لبنان وغزة وسوريا- تصعيد الحرب ينذر بتوسع إقليمي خطير.

وسط تصاعد وتيرة الاشتباكات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تحذيراً مدوياً من مغبة تحول لبنان إلى "غزة أخرى"، مشدداً على خطورة الوضع الراهن.

أفاد غوتيريش في تصريحات أدلى بها لشبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة: "ينتابني قلق بالغ إزاء الخطر المحدق بتحويل لبنان إلى ساحة حرب مماثلة لغزة"، معرباً عن أسفه لعدم اكتراث الأطراف المتقاتلة بمساعي وقف إطلاق النار.

مع اقتراب الحرب على الجبهة الجنوبية في لبنان من إكمال عامها الأول، تتصاعد وتيرة العنف منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وقد أدى قيام إسرائيل بخرق جميع القواعد الأخلاقية والأمنية عبر تفجيراتها للأجهزة اللاسلكية، بالإضافة إلى الضربة الجوية التي نفذها طيرانها في الضاحية الجنوبية لبيروت في 20 سبتمبر/ أيلول الجاري، والتي أسفرت عن مقتل 12 قيادياً في حزب الله، إلى تأجيج الصراع.

في هذا الصراع المحتدم، يسعى كل طرف إلى إثبات قوته وإجبار الآخر على التنازل أولاً، إذ لا تبدو في الأفق أي حلول أو تسويات ممكنة، سواء فيما يتعلق بوقف إطلاق النار أو إبرام صفقة لتبادل الأسرى بين الطرفين. على الرغم من أن إدارة بايدن بأمس الحاجة إلى مثل هذه الصفقة لإطلاق سراح 10 أميركيين محتجزين، الأمر الذي سيعزز صورة بايدن والمرشحة الديمقراطية لمنصب نائب الرئيس، كامالا هاريس، ويكسبهما نقاطاً في استطلاعات الرأي العام الأميركي، مما يزيد من فرصهما في الفوز بالانتخابات الرئاسية.

في سياق الرد الانتقامي على العمليات الإسرائيلية، أعلن حزب الله في 22 سبتمبر/ أيلول الجاري عن استهداف قاعدة ومطار "رامات ديفيد" بعشرات الصواريخ من طراز فادي 1 وفادي 2. ووفقاً لبيان صادر عن الحزب، فإن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام هذا النوع من الصواريخ منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقد أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى القيادي في حزب الله، فادي حسن طويل، الذي لقي حتفه في عام 1987 خلال مواجهة مع القوات الإسرائيلية.

لا يقتصر الأمر على مجرد التوقف عند نوعية هذه الصواريخ ومدى فعاليتها في الوصول إلى عمق الأراضي الإسرائيلية على بعد 100 كيلومتر، ودقتها في إصابة الأهداف المحددة، بل الأهم من ذلك أنها صواريخ سورية الصنع، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الترسانة الصاروخية لحزب الله وتضاهي في قوتها صاروخ خيبر الإيراني.

وقد ظهرت هذه الترسانة للمرة الأولى في مقطع فيديو نشره الحزب لمنشأة عماد 4، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان حزب الله قد تعمد الكشف عن هذه الصواريخ بهدف فتح جبهة الجولان وإشراك النظام السوري في حرب واسعة النطاق إذا ما اندلعت. وهل يتزامن ذلك مع سلسلة التعيينات التي أجراها نظام الأسد في وزاراته، وخاصة وزارة الخارجية؟

لا ينفك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين في حكومته عن توجيه تهديدات للدول الغربية بشن ضربات قاسية على عواصمها إذا سمحت للجيش الأوكراني باستخدام أسلحتها لضرب الأراضي الروسية. فالمنظور الروسي يعتبر ذلك بمثابة مشاركة غربية مباشرة في استهداف الأراضي الروسية، وتهديداً لأمنها القومي، مما يبرر لها شن ضربات على أي هدف تعتبره حيوياً لها، حتى لو كان داخل حدود تلك الدول.

إن ما قام به حزب الله من استخدام صواريخ فادي 1 و 2، يتماشى مع المنطق الروسي، ويتوافق مع التعيينات التي أجراها الرئيس الأسد، وخاصة تعيين فيصل المقداد وزيراً للخارجية السورية، والذي يميل إلى التقارب مع إيران. ورغم دعوة وزارة الخارجية الروسية إلى عدم البحث عن خلفيات سياسية وراء هذا التعيين، تجنباً لحدوث خلاف بين الحليفين، إلا أن وجهة المقداد في زيارته الأولى ستكون طهران وليس موسكو، في إشارة يراها البعض إلى أن سوريا تتجه نحو التموضع إلى جانب محور المقاومة.

منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول، اتسمت الحرب في جنوب لبنان بتبادل الضربات العسكرية، باستثناء تلك الضربات التي نفذتها القوات الجوية الإسرائيلية في عمق الأراضي اللبنانية. ولكن مع اقتراب العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة من نهايتها، بدأت التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين تتحدث عن عمليات نوعية داخل الأراضي اللبنانية، بهدف ردع حزب الله عن الاستمرار في دعم الفصائل الفلسطينية، وإعادة المستوطنين إلى منازلهم في شمال فلسطين المحتلة.

بين تحقيق أهداف عودة الأسرى المحتجزين لدى حماس، وعودة المستوطنين إلى مناطقهم في الشمال، تتسع رقعة الحرب، وتأخذ أبعاداً أكثر دموية، خاصة مع تعمد الطائرات الإسرائيلية استهداف جميع المناطق اللبنانية التي تتواجد فيها مراكز أو شخصيات تابعة لحزب الله.

لقد تجاوزت الأحداث كافة الخطوط الحمراء، وتم خرق قواعد الاشتباك، مما ينذر بتدهور الأوضاع نحو الأسوأ، بالرغم من التوافق الإيراني الأميركي على عدم توسيع نطاق الحرب. إلا أن المؤشرات تؤكد أن سوريا تتأرجح بين القيود الروسية والرغبة الإيرانية في إدراج نظام الأسد كجزء من محور الممانعة في المنطقة.

في المقابل، أغلقت سوريا حدودها مع إسرائيل، ومنع النظام توحيد الجبهات من منطقة الجولان، على الرغم من أن النظام، بعد الأحداث التي شهدتها سوريا في عام 2011، اعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذا المحور. ولكنّ الأبرز أنه بالرغم من المحنة التي تمر بها حركة حماس في قطاع غزة، والحرب شبه المفتوحة في لبنان، والتي قد تتطور إلى حرب واسعة النطاق، فإن النظام السوري ينأى بنفسه عن الصراع، ويحرص على عدم الانجرار إليه، حتى بالرغم من استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، والغارات الجوية المتواصلة التي يشنها الطيران الإسرائيلي في العمق السوري.

وبعد مرور 13 عاماً على النزاع الدامي في سوريا، يحاول رئيس النظام بشار الأسد الموازنة بين داعمتيه الرئيسيتين، إيران التي تعتبر العدو اللدود لإسرائيل، والتي سارعت الجماعات الموالية لها إلى مساندة حركة حماس، وبين روسيا. وتؤكد المصادر أن روسيا وبعض الدول الإقليمية التي أعادت علاقاتها مع النظام منذ عام 2018، قد نصحت سوريا بتجنب التموضع والابتعاد عن الصراع الدائر بين المحور وإسرائيل. علاوة على ذلك، هناك تأكيدات من مصادر غربية بأن النظام السوري تلقى تهديداً واضحاً من إسرائيل، مفاده أن أي تدخل في هذه الحرب سيؤدي إلى تدمير النظام.

ولا تزال جبهة الجولان خاضعة لمعادلة "فك الاشتباك" التي تم توقيعها في عام 1974، على الرغم من بعض الخروقات التي حدثت، والتي شملت إطلاق 30 صاروخاً من قبل مجموعات متحالفة مع حزب الله على الجولان المحتل. وقد يكون حرص النظام على عدم التدخل استجابة لطلب حلفائه، أو بسبب أن سوريا أصبحت دولة منكوبة نتيجة للحرب التي دارت على أراضيها، والعقوبات المفروضة عليها من قبل الإدارة الأميركية، وعلى رأسها تطبيق قانون "قيصر" منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

وبغض النظر عن المبررات التي يسوقها النظام لعدم إقحام نفسه في هذه الحرب، فإن هناك توجهاً من قبل محور المقاومة لفتح جبهات جديدة ضد إسرائيل. خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن توسيع نطاق الحرب في لبنان لتشمل جميع المناطق.

وبناءً على ذلك، لم يعد دخول سوريا في الصراع مجرد خيار، بل هو قرار يجب الالتزام به. فهل حان الوقت لفتح هذه الجبهة؟ أم أن الحزب يستخدم مخزونه من الصواريخ دون الاكتراث بمكان تصنيعها؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة